منذ أن بدأت تمارس موهبتها في الإنشاد خلال دراستها بالمرحلة الابتدائية بصنعاء، كانت "خويلة محمد" تتلقى الانتقادات من أقاربها بسبب نشاطها الفني، لكنها لم تستسلم فأخذت تطور موهبتها يومًا بعد آخر، وفي عام 2018م، ظهرت خويلة وهي تؤدي أنشودة " كفاية ياناس"، من كلماتها وألحانها على إحدى الفضائيات.
حقق لها هذا الظهور انتشارًا وشهرةً واسعةً في أوساط الجمهور اليمني، هذه الشهرة أيضًا كانت سبباً في شن حملات ضغط عليها من قبل أقارب لها بهدف إسكات صوتها وإيقافها عن مواصلة مسيرتها الفنية.
تقول خويلة : "كان بعض أقاربي معارضين لأنني أنشد، والبعض الآخر استخف بموهبتي، فيما آخرون جرحوني بكلمات طعنونا بها"، تحكي خولة بحرقة وألم عن امتداد معاناتها إلى والدتها وشقيقاتها اللواتي كدن أن يحبطن بسبب المضايقات التي تعرضن لها على خلفية موهبة خويلة الناتج عن كراهية الفن، لأنه بصوت عنصر نسائي، إذ يرى أولئك الحمقى أنه لا يحق للمرأة أن تؤدي النشيد الإسلامي أسوة بالرجال.
ترعرعت العشرينية "خويلة محمد" في منزل عائلتها بمنطقة الحيمة غرب صنعاء، وواصلت تعليمها في مدارس صنعاء، وطورت من موهبتها في الإنشاد الديني بعد أن اكتشفها، فتحي الحمادي، أستاذها في المدرسة، وفي عام 2019م، بدأت خويلة ببث أناشيد لها على منصات التواصل الاجتماعي، وقد لاقت تلك الأناشيد متابعةً ورواجًا لافتين، لكنها كما كل مرة كانت تواجه حملات التحريض ضدها من قبل أقارب لها كما تقول.
تضيف "كان ذات الأشخاص يبحثون عن أية هفوة تصدر مني من أجل أن يسجنوني في البيت، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل". من أكثر العبارات التي كانت تؤلم خويلة حينما تسمعها من بعض أقاربها " ليش ما في أحد يضبطها".
حملات منع
ليست خويلة وحدها التي تعاني من حملات التحريض والتعنيف اللفظي من قبل أقاربها ومجتمعها المحيط بسبب موهبتها في الإنشاد، بل إن هناك الكثير من المنشدات اللواتي يشكين من ظلم أقاربهن لهن ومحاولة منعهن الخوض في مضمار الإنشاد، زاعمين أن هذا الفن يجب أن يحتكره الذكور فقط، لأنه فن ديني، هذا ما يلفت له المنشد اليمني منير باهادي، ويضيف قائلاً: "في مختلف المناطق اليمنية يقل عدد المنشدات، فعلى سبيل المثال في حضرموت أكبر المحافظات اليمنية ترفض المنشدات الظهور عبر وسائل الإعلام خشية ردة فعل المجتمع الذي يعتبر هذه الخطوة عيب كبير، لذا ينحصر ظهور ونشاط المنشدات في مجالس النساء فقط.
تؤكد خويلة بأنها ستواصل مسيرتها في فن الإنشاد متحدية كل الصعاب التي تواجهها.
خويلة محمد
يرفض عمار الشيخ وهو منشد ومُنتج فني الحديث عن تجربة ابنتيه "آيات" و "شهد" في الإنشاد الديني خشية من ردة فعل المجتمع، كما يقول، ومثله الكثير من المنشدين الذين وجدوا أنفسهم فريسة لمجتمع ذكوري لا يرغب في سماع النشيد إلا من أصوات ذكورية.
يُعرف فن الإنشاد الديني الإسلامي على أنه فن غنائي يتناول موضوعات تحث على الفضائل والالتزام بتعاليم القرآن والأحاديث النبوية ومدح النبي محمد وآله وصحبه، وقد مر هذا النوع من الفن بمراحل تطور عديدة بدأت من عهد النبي محمد مروراً بدول الخلافة الإسلامية وحتى العصر الحديث.
منشدات زهرات
ووفقاً لكتاب "روائع الشعر الصنعاني"، فإن الذي يميز ألوان الإنشاد الديني هو أنه يؤدى في الجلسات والمناسبات التي تختلف عن ما يؤدى في المساجد ودور العبادة كالأذان والتسابيح والتواشيح، كما أن من أهم شروط تأدية النشيد الديني هو أن يمتلك المنشد صوتاً جميلاً تأنس إليه القلوب.
أجيال مختلفة
"هديل الحيمي"، "مادلين العبسي"، "ندى الهويدي"، "هدى اليمن"، "ضحى الحكيمي"، "ملاك فتحي"، "ملاك خالد"، "سارة"، "أمجاد خليل"، "فاطمة جعدان"، هن أبرز الأصوات النسائية اليمنية اللواتي بزغت مواهبهن في الإنشاد في الآونة الأخيرة وحققن ظهورًا لافتًا عبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية ومنصات ووسائل التواصل الاجتماعي.
سبقت تلك الفتيات أصوات نسائية يمكن أن نعدهن بالأصابع، من بينهن الخمسينية "أسماء العمراني" التي تُعد من قدامى المنشدات اليمنيات، إذ بدأت مسيرتها في فن الإنشاد منذ 28 سنة، وعملت على تأليف عدد من الكتب الخاصة بالإنشاد اليمني، كما أنها أسهمت في تعليم عدد من النساء في صنعاء فن الإنشاد بمركز الزهراء وسط العاصمة صنعاء.
ترفض العمراني أن تنشر أعمالها الفنية في وسائل الإعلام والسبب كما تقول يرجع إلى التزامها الديني، وترى العمراني أنه يجب حصر تأدية النساء للنشيد في مناسبات الأفراح ومجالس العزاء والولادة والموالد الدينية، وتنتقد العمراني ما أسمته الجيل الجديد من المنشدات اليمنيات اللواتي لا يلتزمن بضوابط النشيد الذي اعتادت عليها النسوة في صنعاء، من بين هذه الضوابط كما تقول العمراني "عدم إظهار صوت ووجه المنشدة في وسائل الإعلام".
أمجاد خليل
تخالف المنشدة والمرشدة السياحية اليمنية "دعاء الواسعي" ما تقوله المنشدة العمراني إذ أنها شاركت في تأدية النشيد في عدد من المهرجانات والفعاليات السياحية خارج اليمن وتسرد الواسعي تجربتها في الانشاد خلال فترة ما قبل الحرب الجارية في اليمن، في مقال كتبته قائلة "قدمت طلباً باستيعابي ضمن فريق الإنشاد، فكان استغرابهم كبيرًا، وعندما نسقت مع المنشدين المشاركين، تم قبول طلبي وبدون عوائق".
نجحت دعاء في فرض نفسها وشاركت بتمثيل اليمن في عدد من المهرجانات والمعارض السياحية في تركيا، تقول دعاء " كنت عندما أنشد أرى انبهار وإعجاب الحاضرين في الفعالية".
ملاك خالد
وتضيف "بقيت إلى وقت قريب أنشد في كثير من المناسبات الاجتماعية النسائية، وأتطلع إلى إنشاء جمعية نسائية للإنشاد الديني، نستطيع بواسطتها التعريف أكثر بهذا الإرث الثقافي في أوساط النساء بدرجة رئيسية".
مشكلات بلا حلول
من أبرز المشكلات التي تعاني منها المنشدات اليمنيات: "عدم تشجيع الأهل والمجتمع لهن، وعدم رغبة الكثير من الفتيات ذوات الصوت الشجي الدخول في الساحة الانشادية خشية من الردود السلبية للمجتمع تجاههن، إضافةً إلى مشكلة عدم وجود سوق اقتصادي للنشيد في اليمن، وعدم مساواتهن في الأجر المادي أسوة بالمنشدين الرجال، تقول المنشدة أمة الله أحمد، مشيرة في حديثها ، إلى أنها بسبب تلك المشكلات اعتزلت الإنشاد، واتجهت لأعمال أخرى بعيدة عن ضجيج الشهرة.
العشرينية "هديل الحيمي" هي الأخرى منشدة منذ تسعة أعوام تقدم أعمالها الفنية في المناسبات التي تقيمها النساء، وفي المهرجانات والفعاليات المجتمعية، تؤكد هديل أنها لم تلقى أي اهتمام بموهبتها في الانشاد من قبل شركات الانتاج ووسائل الاعلام، والسبب كما تعتقد أن شركات الانتاج والقنوات الفضائية غير مهتمة بالنشيد كاهتمامها بالأغاني.
تقول هديل "لو طلعت أغني كنت بوصل لمستوى أفضل بكثير لأن الناس تفضل الغناء عن النشيد".
يرى المنشد والمنتج الفني "أحمد الغشمي" أن تشجيع المنشدات اليمنيات أمر مهم، ولكن يجب ألّا تكون المنشدة اليمنية بمواصفات فنانة أجنبية، بمعنى يجب الالتزام بالضوابط التي تقرها الشريعة الإسلامية من حيث اللباس، ويشير الغشمي إلى تجربته مع المنشدة "ملاك فتحي" حيث اشتركا في عدد من الأعمال الفنية التي حققت نجاحات باهرة.
يقول الغشمي ": "علينا أن ندعم ونشجع المنشدات اليمنيات لأنهن جزء أصيل من هذا الفن الذي وجد منذ أكثر من 700 عام".
تؤكد المنشدات اللواتي التقى بهن أنهن سيكافحن من أجل اثبات وجودهن في هذا النوع من الفن الذي لا يقبل فيه المجتمع بوجود أصوات نسائية تؤدي النشيد الإسلامي.
*تم إنتاج المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ساك ميديا للإعلام والتنمية.