«التبغ الغيلي».. محصول نقدي يواجه خطر الاندثار تحت وطأة الحرب والجفاف
حضرموت - علاء الدين الشلالي

يتذكر الخمسيني محمد بن غودل كيف كانت زراعة التبغ الغيلي تدرّ على والده وإخوته الكثير من الأموال، بفضل تصدير محصولهم ذي الجودة العالية إلى دول عربية وآسيوية. فقد اعتادت عائلات أرستقراطية ورجال أعمال في الهند حجز وشراء كميات كبيرة من هذا النوع من التبغ منذ وقت مبكر من زراعته، وكان هذا المحصول النقدي يسهم في تنمية المنطقة والمحافظة. كما يستعيد محمد كيف كانوا يبيعون كميات كبيرة مما تبقى من المحصول في السوق المحلي، خصوصًا في المناطق الشمالية من اليمن، بأسعار مشجعة حفّزت المزارعين على التنافس في زراعة التمباك.

ويقارن بن غودل خلال حديثه مع "النداء" بين أمجاد ذلك الماضي وانكسارات الحاضر، حيث تراجعت زراعة التبغ الغيلي لديه ولدى كثير من المزارعين بسبب عوامل عدة، في مقدمتها الحرب الدائرة في اليمن.

منطقة خصبة

تعود تسمية التمباك أو التبغ أو "التتن الغيلي" إلى منطقة زراعته غيل باوزير، الواقعة شمال شرق مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، أكبر محافظات اليمن مساحة. وسُمّيت غيل باوزير نسبةً لمؤسسها الشيخ عبد الرحيم بن عمر باوزير، الذي يعود إليه الفضل في إشهارها كمدينة معمورة منذ منتصف القرن التاسع الهجري.

تبلغ مساحة غيل باوزير نحو 2410 كيلومترات مربعة، وتمتاز بتنوع تضاريسها ومناخها، حيث تتراوح درجة الحرارة فيها بين 20 و34 درجة مئوية. كما تتميز بأراضٍ خصبة جعلتها مؤهلة لتكون منطقة زراعية وفيرة الإنتاج، الأمر الذي دفع معظم سكانها، البالغ عددهم نحو مئة ألف نسمة، إلى العمل في زراعة النخيل والحناء والبصل والذرة، إلى جانب التمباك الذي يُعد الأهم من الناحية الاقتصادية.

وتشير بيانات كتاب الجغرافيا الزراعية (محمد العكيلي، 2021) إلى أن اليمن احتلت المركز الأول عربيًا في إنتاج التبغ، إذ بلغ حجم التمباك المزروع حوالي 24,629 ألف طن على مساحة 10,691 ألف هكتار، بمتوسط إنتاجية قدره 23,037 كغم/هكتار.

تهديدات للاستمرار

الستيني علي دويل الله، وهو مزارع في منطقة الحرف بغيل باوزير، يوضح لـ"النداء" حجم التحديات: "لقد كان للحرب تأثير سلبي على زراعة وتسويق التبغ خارجيًا. فالكثير من التجار أصبحوا يخشون العراقيل أثناء نقل بضائعهم عبر البحر، فيما توقفت معظم العمليات التجارية عبر الجو بسبب إغلاق مطار الريان لسنوات."

أما على مستوى السوق اليمنية، فرغم أن اليمنيين أنفقوا على التبغ نحو 180 مليار ريال (وفق مسح ميزانية الأسرة لعام 2014)، فإن بائعي التمباك يشكون من تراجع المبيعات نتيجة ضعف القدرة الشرائية مع استمرار الحرب.

ويضيف محمد بن غودل: "الظروف الاقتصادية السيئة وارتفاع أسعار الوقود الخاص بتشغيل مضخات الري جعلت الكثير من المزارعين يرفعون أسعار بيع التمباك. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه خلال العامين المقبلين، فسينهار كل شيء."

وتتكرر هذه المشكلات لدى معظم مزارعي غيل باوزير، من استغلال التجار في تحديد الأوزان، إلى حملات التحريض ضد زراعة التمباك من بعض خطباء المساجد، فضلًا عن تعرض المحصول للسرقة بشكل متكرر.

تحديات بلا حلول

كان في غيل باوزير 36 غيلًا مائيًا، ولم يتبقّ منها سوى 14 فقط، وباتت مياهها لا تكفي سوى ثلث المزارعين، بحسب مسؤول حكومي لـ"النداء".

ويعزو المهندس سامي عويشان، مدير مكتب الزراعة، تراجع زراعة التبغ والمحاصيل الأخرى إلى انخفاض منسوب المياه بعد بدء ضخها لمشروع مياه المكلا الكبرى عام 1998، إضافة إلى ضعف منظومة الإنتاج والتسويق والتخزين والتصدير.

ويؤكد عويشان أن المشكلة الأبرز تكمن في ارتفاع كلفة الإنتاج على المزارعين، بسبب غلاء الأسمدة والمواد الزراعية ونقص الآلات، فضلًا عن توقف البحوث الزراعية منذ ثمانينيات القرن الماضي. كما يشير إلى أن الحكومات في دول كانت تستورد التمباك الغيلي (مثل مصر والسعودية والهند) رفعت الضرائب على استيراده، ما قلّص حجم الصادرات.

في المقابل، ظهرت مناطق جديدة تنافس التمباك الغيلي، مثل أودية أرياف المكلا، حيث يُزرع نوع يسمى "التمباك الغياضي" ويباع بأسعار أعلى.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، تُستخدم 3.2 مليون هكتار من الأراضي الخصبة في 124 دولة لزراعة التبغ، رغم أنه يودي بحياة ثمانية ملايين شخص سنويًا. ودعت المنظمة إلى التوقف عن دعم هذه الزراعة ومساعدة المزارعين على التوجه نحو محاصيل غذائية، خصوصًا في بلدان تعاني من الجوع مثل اليمن.

*نقلا عن صحيفة النداء 

متعلقات